الخوف من الله عز وجل من المقامات العالية في العلاقة بين العبد وربه بل هو من أبرز مقتضيات الإيمان بالله، مصداقا لقوله تعالى: "وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"،بل أن الخوف من الله يعد طريقا للأمن في الآخرة عند لقائه وسبب للسّعادة في الدّار الدنيا والآخرة،
بل أن الخوف من الله يعد دليلا على صفاء القلب وطهارة النّفس، والخوف من الله -تعالى- خير مُعين للانتصار على شهوات النّفس وملذّاتها، والقلب الذي لا يسكنه الخوف من الله -عزّ وجلّ- كالبيت الخَرِب، وإنّ انتشار المعاصي في حياة الكثير من النّاس يرجع إلى غياب الخوف من الله، حتى أصبح استصغار الكبائر عند بعض الناس أمراً مُستساغاً، فاسودّت القلوب وأظلمت،
ومن الثابت أن التّخويف بعظمة الله -تعالى- وبآياته سنّة ماضية، كما قال الله تعالى: "وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلّا تَخويفًا"فالتخويف وسيلة مؤثّرة من وسائل المرسلين والدّعاة في إنذار أصحاب المعاصي؛ رغبةً في إقامتهم على أمر الله -تعالى- وطاعته؛ فما هو الخوف من الله، وما هي علاماته وآثاره؟ تعريف الخوف من الله
الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أوضح أن الخوف من الله سبحانه وتعالى مشبع بحبه، وبالتعبير الحديث هو كالأسفنجة التي تمتص الماء أو بعبارة أخرى الحب والخوف وجهان لعملة واحدة،
الدكتور جمعة مضي في منشور له علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك " على الناس أن يعلموا وأن يتعلموا الفرق بين الخوف من الله، الذي هو الحب بعينه وبين الرعب والفزع، فالرعب والفزع يأتي من الخوف من الأذية والله سبحانه وتعالى رحمن رحيم بَرٌّ جميل، ولذلك فإن كثيرا من الناس إذا فهموا الخوف بمعنى الفزع من الله فإنهم يملُّون، حتى ترى العلاقة بين الإنسان وربه مع هذا الملل تؤدي إلى الاضطراب ثم يشعر بعدها العبد بشيء من التأثم وتبدأ العلاقة في التدهور.
في حين والكلام مازال لعضو هيئة كبار العلماء لو فهم الخوف بأنه مليء بالحب، لأدى ذلك إلى علاقة إيجابية تؤدي إلى التقوى وإلى السكينة والطمأنينة والركون إلى رحمة الله تعالى.
ومن ثم فإن الخوف الحقيقي المشبع بالحب هو نوع من أنواع الهيبة والرهبة والجلال والقداسة وكلها معان تؤدي إلى مزيد الطلب وإلى دوام السير في طريق الله، وهذا هو الذي يساعد الإنسان على أن ينهى النفس عن الهوى، ويشعر بلذة في صدره وقلبه فيزداد من التقوى، ويزول شعوره بالحرمان والمنع، وهذا هو الفرق الكبير بين من جعل العلاقة بينه وبين ربه مبنية على الرعب والفزع، ومن جعلها مبنية على الرحمة والحب.
بل أن كثيرا من الناس رأيناهم قد ساءت علاقتهم مع الله، لاختلاف تلك المفاهيم التي نقلت إليهم، إما من خطاب ديني متشدد لا يمثل إلا مشرب صاحبه العنيف، وإما من تربية بُنيت على العادات والتقاليد بعيداً عن صحيح العلم وبعيداً عن واقع الدين واللغة، وإما من ثقافة سائدة تراكمت عبر العصور،
ومن هنا فقد المسلمون الواعون حقيقة العلاقة بين العبد وربه عن نبيهم صلي الله عليه وسلم فجاءت أقوالهم وأفعالهم تؤكد هذا الفهم الصحيح ليتشبع حبهم لله تعالى بمخافتهم منه سبحانه، فينصح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أصحابه فيقول: "شاور في أمرك الّذين يخشون اللّه عزّ وجلّ". ويدعو ابن مسعود- رضي الله عنه، مناجياً ربه فيقول: «خائفا مستجيرا تائبا مستغفرا راغبا راهبا".
اقرأ أيضا:
مظلوم في البيت والعمل ومع الناس؟.. روشتة نبوية تدخلك الجنةالتابعي الجليل ذو النون المصري علق علي الأمر قائلا : «اللّهمّ إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك»، ويفهم الإمام الغزالي هذا المعنى فيقول في كتابه الإحياء: "إنّ الرّجاء والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كلّ مقام محمود، ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود.