نعيش أيامًا هي من أفضل الأيام إلى الله عز وجل، لكن للأسف نتركها تمر من بين أيدينا دون أن نشعر بها، تتبخر كما يتبخر الدخان من بيننا، فكأن نسمة ريح خفيفة مرت على أنوفنا حتى دون أن نستنشقها.. ثم ما إن ينتهي الشهر الفضيل حتى نحزن ونغضب ونندم، ونتمنى لو عاد بنا الزمن للوراء.. فها هو بين أيدينا ومازلنا في أوله، فلما لا نستغله أيما استغلال، ونتمسك بكل لحظة فيه ، لذا علينا أن نصوم عن كل ما يغضب الله أو يجرح صيامنا.. فالصوم كما حدده العلماء هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم.

راجع صيامك

عزيزي المسلم، راجع صيامك واعلم أنه لابد أن يكون مرتبطًا بما كان عليه نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، وليس بما آل إليه حالنا الآن، من متابعة المسلسلات والأفلام و(الشيشة) والقهوة.. فرب صائم ليس له من صيامه سوى الجوع والعطش.. وفي ذلك يقول العلماء: «الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فَعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيَخرج كلامه كله نافعا صالحا وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته، وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم. هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ففي الحديث الصحيح: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)».

مدرسة الصيام

الصيام مدرسة لاشك يتعلم فيها المرء، كيف يمسك نفسه عند الغضب، وكيف أن الله عز وجل رقيبه أينما كان، يخشى فساد صيامه، وبالتالي لا يقع فيما حرم الله ولو بنظرة عين لامرأة أجنبية عنه، فيا أيها الصائمون: اجعلوا من صيامكم سبباً موصلاً إلى تقوى ربكم جل وعلا، قال تعالى: « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (البقرة: 183)، فرمضان ليس شهر الصيام فحسب، وإنما هو أيضًا شهر القيام وشهر القرآن والدعاء وشهر الجود والكرم وشهر الصدقة والمواساة، قال الله تعالى: « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ » (البقرة: 185)، وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشرة أمثالها إلي سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».