أول مجال للتجديد الذي نحتاجه في تقديم ديننا إلى العالم المعاصر.. ثلاثة موضوعات متعلقه بالقرآن.. هذا القرآن فيه هداية البشـرية، ولكن لا يَفهم أحدٌ ذلك.. هذا الكتاب قادر على إنتاج حضارة عالمية، سمى الله القرآن نورًا، وهدًى، وبرهانًا، وشفاءً.

نزل القرآن فانبهر العرب به.. فقد كان شيئًا جديدًا شديدَ الإبهار لهم.. فقد حول هذا الكتاب أمة من رعاة للغنم لأمة رعاة للأمم؛ لأنهم كانوا يفهمونه.

وسر صدمة العربي الأُوَلُ عند سماعهم للقرآن أنهم كانوا فصحاء يفهمون اللغة العربية سليقة، فكان مثل قوله ـ تعالى ـ : ▬فاصدع بما تؤمر♂ كافيًا لأن يهز كيانهم!

وقد كان أبوجهل، وأبو سفيان، والوليد يذهبون كل ليلة في الخفاء ليسمعوا القرآن رغم كفرهم وعدواتهم للنبي؛ لما وجدوا فيه من بلاغة وفصاحة ليست معهودة عند أحد منهم مع أن اللغة كانت هي أكثر ما برعوا فيه شعرًا ونثرًا!

فهم اللغة العربية وتذوق معانيها هو السر الذي ضاع منا اليوم؛ مما أدى إلى عدم فهمنا للقرآن؛ فلم يعد القرآن فعَّالًا في حياتنا المعاصرة، وبعودة الفهم تعود فاعلية القرآن في حياتنا اليومية.

ولما سمع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ سورة طه فهم أولًا، ثم انبهر بما فهمه، كان للألفاظ القرآن ما يُشبه كيمياء الدواء التي تفاعلت مع عقول وأرواح الصحابه فأنتجت إنسانًا جديدًا وحضارة جديدة.

ونحن اليوم لا نشعر بهذه الكمياء؛ لأننا لم نفهم شيئًا منه أصلًا.. ولو فهمنا لحدثت انطلاقات حضارية رائعة.. ولكن للأسف لا يوجد أحد من أولادنا يفهم القرآن فهو بالنسبة لهم طلاسم تشبه طلاسم حجر رشيد!

وضعنا حواجز بيننا وبين القرآن.. صار أولادنا لا يفهمون شيئًا من القرآن بسبب عدم فهم اللغة العربية كما كان يفهمها آباؤنا، والعلماء والمشايخ لا يقومون بعمل شيء فيه نوع إبداع وابتكار لحل هذه الأزمة التي نعيشها اليوم، فكل ما يقدمه العلماء اليوم عبارة عن اجترار لما قدمه سلفنا الصالح في الماضي، وهذا وإن كان فيه الخير والعلم، إلا أن العلماء في كل عصر كانوا يواجهون مشكلاتهم المعاصرة لهم ويضعون لها الحلول في قالب علمي شرعي، وهذا ما نرجوه من علمائنا ومشايخنا أن يحذوا حذو سلفنا الصالح، فيقوموا بدراسة المشكلة التي طرحناها ويقدموا لها الحلول الإبداعية التي تسد الفجوة بين شبابنا وبين القرآن الكريم..

يسألنا الشباب اليوم: إذا كان الله ـ تعالى ـ يقول: ▬ولقد يسـرنا القرآن للذكر♂ فأين هذا التيسيرونحن لا نفهم؟ ما الذي فعلناه في القرن الحالي لتيسير القرآن.. وماذا نفعل؟ لابد من التفكير بالعقل، فلتيسيره وتفصيله لابد أن نفهمه أولًا.

إياك أن تظن أننا أول الناس الذين يجدون صعوبة في فهم القرآن، فالأجيال التي قبلنا أيضًا كانوا مثلنا، ولكنهم كانوا يبذلون الجهد لتيسير القرآن، فلابد من التجديد لفهم القرآن، فنعمل كما فعل الذين من قبلنا، فنبتكر الأفكار؛ ليبقى القرآن سهل الفهم، فهناك عشرة تجديدات إبداعية أنتجها المسلمون على مر التاريخ الإسلامي، وهي:

في عهد عثمان بن عفان كان المصحف بدون نقاط تحت أو فوق الحروف لأن العرب كانوا من الفصاحة بحيث يسهل عليهم التفريق بين الياء والتاء دون وجود نقاط تحت الياء أوفوق التاء كالشكل التالي ( صورة ) فلما جاء علي بن أبي طالب وضع النقاط في المصحف كان ذلك ابداع جديد لتيسير فهم الأجيال للقرآن .

على يد أبو الأسود الدؤلي ( صورة ) تم تشكيل القرآن أيضاً في عهد علي  بن أبي طالب رضي الله عنه.

تم تقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءًا، ثم كل جزءٍ إلى ثمانية أرباع في عهد سليمان بن عبد الملك عم عمر بن العزيز ـ رحمهما الله ـ سنة 110 هـ.

تم وضع علامات الوقوف والابتداء على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ رحمه الله ـ عام 170هـ.

تم ظهور كتاب تفسير جامع للقرآن مثل الطبري، وابن كثير، والقرطبي رحمهم الله. كان ذلك ابداع جديد في عهدهم.

 تم ظهور علم تجويد القرآن؛ لكي نقرأ القرآن كما كان يقرأه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام 325هـ.

ثم ظهر الترجمة للغات الأخرى.. وقد كانت فكرة جديدة جدًا سنة 553هـ للاتينية.

وكل مراحل التجديد هذه استغرقت حوالي ستمائة سنة.

فعندما كان يظهر جيل لا يستصعب لغة القرآن، فقد كان الإبداع يظهر لتيسير فهم القرآن على الناس؛ لأن القرآن كتاب الحياة للمسلمين، وكل ما سبق جعل القرآن فعالًا عبر القرون ▬ولقد يسرنا القرآن للذكر♂.

ثم فجأه توقف كل شيء، فأصبح هناك جمود فكري، وتقيد بالتقليد، خوف من الإبداع، وازدادت الأجيال بعدًا عن القرآن، مما أدى إلى ظهور مفاهيم فاسدة ومتطرفة نتيجة الجهل بالقرآن !

فبعد خمسين سنة سيضيع فهم القرآن تمامًا من الأجيال التالية.. فلابد من عمل شيء وإلا سيسيطر التطرف والإرهاب على كل شيء.

والذي زاد الأمر صعوبة في الثلاثين سنة الأخيرة: أن طريقة تعلم القرآن توقفت على وجود أهداف لأي موضوع، ثم عناصر تدل على الهدف، ثم ملخص واستنتاج، وهذا ليس في القرآن.. فلازلنا جامدين.

والذي زاد الأمر أصعب وأصعب في العشر سنن الأخيرة: أن حركة الحياة صارت سريعة جدًا، فالبرامج اختصرت من ساعة إلى عشرة دقائق، فلم يعد هناك الوقت الكافي لقراءة كتب أهل العلم بطريقة مفصلة على الناس، وصار ذلك فقط للمتخصصين.

ولقد أنزل الله القرآن هداية للبشر، فإذا كان الناس لا يستطيعون فهمه جيدًا بفهم الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالحين؛ فإن هذا يُؤدي إلى استغلال جهل الناس بالفهم الصحيح لترسيخ التطرف والإرهاب، لذا؛ وجب على علماء المسلمين ابتكار حلول إبداعية لتيسير فهم القرآن فهمًا صحيحًا قويمًا كما كان علماء كل عصر يقومون بهذا الأمر في عصـرهم، وسنقوم بعرض أربعة أفكاري جديدة لهذا العصر الحالي:

(1) «الأهداف الإنسانية للسور»، هذا اجتهاد في البحث عن هدف إنساني لكل سورة، تحقق فاعلية رهيبة، فالإنسانية مطلب معاصر لكل البشـر، والقرآن لكل البشر، فعلينا أن نجتهد في البحث عن الإنسانية في القرآن، فكل سورة من سور القرآن لها هدف محددـ وكل مقاطع السورة تخدم هذا الهدف؛ حتى كلمة سوره هي تشبيه بالسور الذي يحيط بكل ما هو داخله، فكل سورة تحقق هدفًا محددًا، وكل آية تخدم هذا الهدف، حتى اسم السورة له علاقة بهذا الهدف، والقصص وآيات قدرة الله تصب في الهدف، بحيث لو فهمنا هدف أو أهداف كل سور القرآن؛ لفهمنا القرآن كله، ولا نتعامل مع آية آية .

تخيلوا كتابًا صغيرًا فيه أهداف وعناصر وملخص لمائة وأربعة عشـر سورة في صفحة واحدة.

وهذه ستكون أول محاولة مكتملة تضم الأهداف الإنسانية. ولا ندعي أنه الهدف الوحيد، لا، فهذا اجتهاد للبحث عن أهداف إنسانية لكل سورة.

فكرة الأهداف الإنسانية جديدة، فالقرآن للبشـرية جميعًا بحيث إن كل من يقرأ في العالم يفهم ويستفيد، قال تعالى: ▬رحمة للعالمين♂، وقد وصف الرب تبارك وتعالى نفسه في أول القرآن بقول: ▬رب العالمين♂، وفي آخره: ▬رب الناس♂، فلماذا نمنع هذه الرحمة عن العالمين بعدم تيسير فهم القرآن لهم؟!

نضرب  أمثلة لهذا:

(1) «سورة  البقرة»: (هدف السورة: «أنت مسؤول عن الأرض»).

الالهدف الإنساني لسورة البقرة – الجزء الأول:  أنت مسؤول عن الأرض

تخيلوا معي لو كان كل القرآن هكذا! لا شك أنك ستجد نفسك فاهمًا للموضوع كله، وستعرف إلى أين أنت ذاهب، ومن ثَمَّ تبدأ في الإبداع في الفهم!

تعالوا نسهله أكثر.. نرسمها على شكل شجرة mind mab