نعم رمضان مازال أمامه وقت.. لكن قد تكون هبت نسائمه في مشهد أو موقف نتذكره به، و تسمع أمرًا يكشف شوقك الكبير لهذا الشهر الأعظم، أو ربما تسرح بخيالك لتتذكر أناسًا رحلوا عن عالمنا قد ارتبطنا معهم بذكريات جميلة جدًا خلال شهر رمضان المبارك.
وهذه كلها أمور تصفي فينا الشوق والحنين الكبير إلى أعظم شهور الله وأهمها، ولمّ لا، وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشكرون الله على صيام رمضان الماضي لمدة ستة شهور متتالية، ثم يستعدون لشهر رمضان المقبل في الستة الشهور المتبقية من العام، وبما أننا على عهد هؤلاء الرجال الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فإنا أيضًا على الدرب نشتاق لرمضان أيما اشتياق.
صحوة القلوب
إذا شعرت بقلبك يشتاق إلى رمضان، فاعلم أمرين: الأول أنه قلب لم يغفل عن ذكر الله، ويعيش بالتلهف إلى ما يرضي الله ورسوله، والثاني: أنه يعظم شعائر الله، ففي الأولى تأكيدًا لمعنى الله عز وجل: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ » (البقرة: 185)، أي أنه هداه الله إلى الطريق الصحيح، فعاش يتذكر أيام الله الطيبة والعظيمة.
وفي الثانية تعظيم لأيام الله عز وجل التي تمر سريعًا، قال الله تعالى: « ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » (الحج: 32)، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: « أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ » (البقرة: 184)، فهي أيام تنقضي سراعًا، لكنها تُعلم الإنسان فيها الصبر، وتجتمع في شهر رمضان أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعته، وعلى ترك معصيته، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فإذا ما تذكرها الإنسان فإنه إذن يصبر على طاعة الله وينتظرها بفارغ الصبر.
اقرأ أيضا:
الاستغفار حياة جديدة تعرف على فوائده على الروح والبدنمدرسة الصيام
الإنسان الذي يتذكر الأيام الفضليات، وأحب الأيام إلى الله عز وجل، فإنه بذلك يكون تعلم في مدرسة الصيام، وهي أعظم المدارس التي تخرج جيلاً قويًا، لا يصغر أمام أي شهوة.
ولا يضيع نفسه أمام أي إغراءات مهما كانت، ذلك أنه بين رمضان ورمضان سير إلى الله وعهد يحافظ عليه مهما تغير الأحداث، وجهاد واجتهاد، وعمل ليدرك الإنسان نفسه قبل فوات الأوان، ويغتنم مواسم الخير في شهر كله مغفرة ورحمة وعتق من النار، وهذا الاستعداد لا بد أن يحمله كل مسلم ومسلمة ليزكي به نفسه، قال الله تعالى: « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا » (الشمس: 9، 10).