عزيزي المسلم، حينما اختار الله عز وجل المؤمنين لأن يكونوا من المصطفين، أو المقربين إليه سبحانه، كان ذلك بمصداقية تأهل من اختارهم في علمه السابق أنهم أهل لهذا الإيمان وليس بوساطة أحد كائنا من كان، لأن الوساطة بغير استحقاق بمثابة الرشوة.
ومن هنا فإن الإيمان بالله لا يمكن أن يتبعه الحصول على رشوة أو المساعدة عليها، لأنه ببساطة حينما يضعف الإيمان، وتقل الخشية من الله، وتضعف مراقبة الخالق، تفسد الأخلاق، ويسود القلب، وتظلم النفس، فيقع الإنسان في المحظور، ومن ذلك الوقوع في الرشوة، ومن ثم ليعلم الجميع أن للرشوة أثر سيئ على الفرد والمجتمع، فهي تولد العداوة والبغضاء بينَ أفراد المجتمع المسلم، ويكثر بسببها النزاع، وربما تطور الأمر إلى الاعتداء على الأنفس والأعراض، وكل هذا سببه ضعف وقلة الإيمان بالله عز وجل.
عقود مزورة
أساس الرشوة هي المخالفة، فإن كان التاجر شريفًا وتجارته جيدة، فلمّ يقدم رشوة؟، لكن عندما تكون سيئة ورديئة، يرشي الناس حتى لا يتم التخلص منها، فيفضل أن تقع كارثة وأن يبتلي الناس على أن يخشى الله، وهنا هي المعضلة، لأنه اختبار قوي للإيمان بالله عز وجل، وفيه يفشل هؤلاء فشلاً ذريعًا.
فكيف الحال إذا رشى مقاول لبناء عمارة، ثم سقطت على الناس؟، مؤكد ستكون النتيجة كارثية، ويموت فيها العشرات، فضلا عن الخسائر المادية الأخرى، وهنا بالتأكيد ليس فقط ضعف إيمان، وإنما افتراء على الناس، وهو أمر لا يقبله الله ولا رسوله البتة.
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ» (النساء: 29).
اقرأ أيضا:
لو شتمك أحد أو لعنك فأمامك ثلاث طرق.. تعرف عليهاالهدية الحرام
عزيزي المسلم، ليست هدية أن يعطيك أحدهم شيئًا مقابل أن تسكت على خروقاته أو أخطائه، وإنما هي رشوى لاشك، وفي ذلك يقول أحد العلماء: «إذا أهدى له هدية لِيكف ظلمَه عنه، أو ليعطيَه حقه الواجب، كانت هذه الهدية حرامًا على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعَها إليه».
كما أوضح المصطفى صلى الله عليه وسلم، في قوله: «إن أحدهم ليسألني المسألة، فأُعطيها إياه، فيخرج بها متأبطَها وما هي لهم إلاَّ نار»، فقال الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، فلم تعطيهم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إنهم يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل».
وأما الهدية في الشفاعة، مثل أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة، أو يوصل إليه حقه.. أما المرتشي فلا حد له يقف عنده، فالمشكلة عنده ليست في الحاجة إلى المال، فكم من شخص لا يجد حاجته، ولم يمد يده أبدًا للرشوة، فمشكلة المرتشي أن عنده فقرًا معنويا، وفقرًا في دينه، وفقرًا في أخلاقه، وفقرًا في مبادئه.