من المؤلم جدًا أن تجد الحياة رخيصة في قيمتها وقيمها ورجالها ولكن ليس أشد قسوة على الإنسان من أن يجد الحق رخيصا أيضا يباع على الأرصفة كما يباع كل شيء.

فبعدما أصبح البعض يبيع شرفه وتاريخه، ومستقبله، وكلمة الحق، أصبح لا ضير له أيضًا أن يشتري الحق رخيصا كما يبيعه، فتجده في وقت الرخاء وحال أمن العقاب يتمتم بالحق المزعوم، وهو أبعد ما يكون عنه، حتى أصبح الكذب مجاملة، والنفاق ولبس الأقنعة شطارة، والتلون وتغيير المواقف والمبادئ كل يوم براجماتية، والسكوت على الظلم مسالمة وتكتيكا.

لماذا نهين الحق؟

جعل الله سبحانه وتعالى كلمة الحق وحدها عزيزة وغالية الثمن، ثمنها قد يكون الجنة والشهادة في سبيل الله والإيذاء البدني وقطع الرزق، لذلك يخشى الكثيرون أن يدفعوا ثمنها ويستحون منها إن لمعت في تفكيرهم لأنها تعايرهم بجبنهم فكم مرة رأى إنسان في محيط عمله ظلما وتعسفا بحق الآخرين، أو رأى ما لا يجب السكوت عليه من فساد ومحسوبية وطأطأ رأسه ومضى في سبيله خوفا على رزقه أو منصبه!.

وقد تدفع فعلا كلمة الحق بصاحبها الى زاوية صعبة، ولكن عدم قولها يضعه في مواجهة مع نفسه ومع التزامه الأخلاقي، واحترامه لذاته ويجرُه إلى دائرة من السلبية والنفعية جرّت إليها الكثيرين. ففي الماضي كان الرجل يقول: «أقول كلمة الحق ولو على رقبتي»، في حين تبدل الحال في وقتنا الحاضر، فتجد سكينة أعز عزيز عليك في ظهرك حال اكتشف ايذائه إذا وقف بجانبك في الحق.

فإطلاق كلمة الحق أمر سهل أو شائع، لذلك نجد أن قلة من الناس هم من يجرؤون عليها، ولا يخافون لومة لائم. أما الآخرون فهم يخافون إن قالوها أن يخسروا مصلحة شخصية أو رضى أشخاص يهمهم ان يكونوا على علاقة جيدة معهم للوصول الى هدف معين.

ومن العجيب أن يكون المرؤوسون هم أكثر خوفا من قول كلمة الحق حتى لا يغضب رؤساءهم في العمل مثلا إذا كان الموضوع يمسهم شخصيا أو ينقد موقفا لهم، رغم أن المرؤوسين هم أحوج ما يكونوا للحق.

اقرأ أيضا:

الجمعة عيد المسلمين.. ماذا عن" الصدقة" وآداب هذا اليوم؟

 سلعة ثمنها الجنة

والحق سلعة غالية ثمنها الجنة، لا يقدر عليها إلا من شمر له، فلا يستطيع المرء أن يقول كلمة الحق في أي موقف ولأي شخص، وإلا ساءت علاقته بالكثيرين.

وقد تكون كلمة الحق مكلفة أحيانا إذا كانت تتعلق بموضوعات مهمة وحساسة كالأمور المالية أو الارتباطات الاجتماعية أو سمعة الأشخاص، وقد يجد صاحبها نفسه في موقف صعب في مواجهة الآخرين.

أما على مستوى العمل فشهادة المرء وموقعه الوظيفي يجعلانه يشعر بأنه أقل خوفا على مستقبله المهني من الأشخاص حملة الشهادات المتوسطة أو غير المتعلمين الذين يبدو لهم أن فرص عملهم أقل وبالتالي يحاولون الحفاظ على وظائفهم واسترضاء رؤسائهم.

لذلك يحرص الفرد ويسعى وراء مصلحته الشخصية وعدم استعداده للمواجهة في سبيل كلمة حق قد يجعلانه يخسر رضى الآخرين عليه أو يؤخرانه عن الوصول الى هدف ما أدى الى شيوع حالة من الأنانية والسلبية.

 فكلمة الحق مزعجة لأغلب الناس وصاحبها في نظر البعض انسان فظ يتدخل فيما لا يعنيه. لذلك لابد للإنسان أن يكون مجاملا إذا أراد أن يكون مقبولا من الآخرين، حتى لو كانت هذه المجاملة تصل الى حد الكذب.

لذلك ولى زمن الشجعان، فقد أصبح التحدث عن كلمة الحق وما شابهها من التزامات أخلاقية في نظر البعض نوعا من المثالية التي لم تعد موجودة على أرض الواقع، ولا يلجأ الإنسان إلى الحق إلا حينما يكون رخيصا يباع على الأرصفة.