يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ» (34)، انظر إلى اعتراف نبي من أعظم أنبياء أولي العزم، وكليم الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك يعترف بأن أخيه هارون أفضل منه في أمر ما، وليس في أمر بسيط، وإنما في أمر من أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الأنبياء وهي فصاحة اللسان، ومع ذلك يتخلى عنها ويعترف بأن أخيه الأفضل فيها.. إذن علينا أن نعي جيدًا أن الاعتراف بمزايا الآخرين من مزايا الأنبياء، وبالتالي فإن إنكارها من مزايا الشيطان، قال تعالى: «قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» ( الأعراف 12).
كن منهم
إذن عزيزي المسلم، وبما أننا نتبع جميع الرسل والأنبياء، علينا أن نتصف بصفاتهم قدر الإمكان، ولا نبخس الناس أشيائهم وفضائلهم، لأن ذلك إنما من صفات الحاقدين والشامتين، وهي صفات لا يمكن لمسلم أن يتصف بها، فالعلماء والعظماء هم من يعترفون بمزايا الآخرين ولا ينسبون الفضل لأنفسهم فقط فيما حققوه من إنجازات لأنهم يعلمون جيداً أن كل شيء وكل نعمة من الله سبحانه وتعالى، ومن الممكن أن تزول في لحظة ما، كما أنهم يدركون جيداً أن الفرد لذاته لا يساوي شيئاً، وإنما إذا تعاون مع الآخرين واعترف بفضلهم فسيزداد نجاحاً وتفوقاً، ولعل ذلك ما يميز العمل الجماعي أو ما نطلق عليه روح فريق العمل الذي يحقق نجاحات تفوق بكثير العمل الفردي.
اقرأ أيضا:
مظلوم في البيت والعمل ومع الناس؟.. روشتة نبوية تدخلك الجنةالتصالح مع الذات
فإذا عمد المسلم على التصالح مع ذاته في الاعتراف بفضل غيره عليه، أو بتفوق غيره عليه، إنما فتح على نفسه باب التعلم والخبرات، بينما الآخر الذي يتشدق بلسان (مزيف) وهو يحقد ويحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله فإنما يتحقق فيه قول الله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ»، وأيضًا قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»، وهي أمور لا يمكن أن يتصف بها إنسان مسلم أبدًا.
للأسف الشديد نجد العديد من ضعاف النفوس والجهلة الذين يدعون معرفة كل شيء بل إنهم يكابرون بسبب جهلهم ويعتبرون الآخرين أقل منهم تماماً مثل الشيطان الذي قارن نفسه بسيدنا آدم عليه السلام، فكان جزاؤه الطرد من الجنة. بينما الاعتراف بمزايا الآخرين لا يقلل من شأن الإنسان بل يزيده رفعة وثقة وسمواً لأنه نسب الفضل لأهله.