الاختلاف كيف يكون وسيلة تقارب لا تباعد؟

بقلم | محمد جمال حليم | الجمعة 19 فبراير 2021 - 06:00 م

خلق الله عباده وهم ليسوا على شكل واحد ولا طباع واحدة ودرجة تدينهم كذلك مختلفة ومتفاوتة ومن ثم يقع الاختلاف الذي هو سمة طبيعية وسنة واقعة قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}.

والضابط الذي يسعى الدين لحفاظ عليه هو ألا يؤدي هذا الاختلاف إلى التشاحن والتقاطع والخصومة ومن ثم تقع القطيعة ويحدث التنازع.

صور الاختلاف :

والاختلاف صور كثيرة فهو يحدث بين المسلم وأخيه، والزوج وزوجته، والصاحب وصاحبه، والمدير والموظفين وبين الجيران والبائع والمشتري وأشكاله لا حصر لها وأسبابه أيضا متنوعة يرجع معظمها لسوء الفهم وحدة الطبع ونفاد الصبر والعجلة في الحكم على الأشخاص والأشياء، وهو ما يؤدي إلى الشحناء والتنازع.

الشيطان ودوره في دعم الخلاف:

وللشيطان العامل الأكبر في شحن الخلاف بما يلقيه من ظنون يقذفها الشيطان في النفوس، وينساق الناس إليها، فتكون سبباً في وقوع العداوة والشقاق والخصومة بينهم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: (إن الشيطان قد أيِس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) رواه مسلم، يقول الطيبي: "أي إيقاع الفتنة والعداوة والخصومة والقتل". وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمُهم فتنة، يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً حتى يجيء أحدُهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعمَ أنت) رواه مسلم.

قال القاضي عياض: "نِعْم أنتَ": الذى جئت بالطامة والأمر العظيم. وقد يكون معناه: نِعْم أنتَ الذى أغنيت وفعلت رغبتى، أو أنت الحَظىِّ عندى، المقدم من رُسُلى.. أو أنت الشهم والجذل، ونحو هذا. وفيه تعظيم أمر الفراق والطلاق وكثير ضرره وفتنته، وعظيم الإثم في السعي فيه، لما فيه من قطع ما أمر الله به أن يوصل، وشتات ما جعل الله فيه رحمة ومودة، وهدم بيت بُنى في الإسلام، وتعريضٌ بالمتخاصمين".

واجب المسلم نحو الخلاف:

والواجب على المسلم دائما أن يتقي بدينه الخلاف ويهرب من أسبابه قدر الوسع فإن هو وقع يخفف وطأته ولا يسمع لكلام الناس خاصة المغرضين منهم ويحاول بشتى الطرق السعي للصلح فإنه أمكن بنفسه كان وهو الأولى وإن لم يتمكن بنفسه فلا حرج من إدخال الصالحين المصلحين.

سنة النبي في الاختلاف:
من يتأمل سنة الني صلى لله عليه وسلم ساعة وقوع الخلاف يدرك كيف كان يسعى للصلح فما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه من أهل قُباء اختلفوا ذهب للإصلاح بينهم، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (أنَّ أهلَ قُباءٍ اقتَتلوا حتى ترامَوْا بالحجارة، فأُخبِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: اذهبوا بنا نُصْلِحُ بينهم) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري": "في هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمعِ كلمة القبيلة وحسمِ مادة القطيعة، وتوجهِ الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وفيه تقديمُ مثلِ ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه". وقال ابن بطال: "فيه: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والخضوع والحرص على قطع الخلاف وحسم دواعِي الفُرقة عن أمته كما وصفه الله تعالى".