تعد الأمثال من الموروثات الشعبية التي تؤرخ لثقافات الأمم وحضاراتها، كما تعبر الأمثال عن الحكمة والعقل الجمعي لكل شعب من الشعوب، فمن خلالها تستطيع أن تكون رؤية واضحة عن ثقافة كل شعب واهتماماته ومدى تأثير لغته وفصاحة لسانه، وقوة بيانه، كما أن للأمثال فوائد وثمرات يجنيها المتمعن في دلالاتها حيث تأتي الأمثال مراعية لجوانب عديدة حسب الجانب الذي جاءت لأجله فإن الأمثال تؤثر أكثر من الكلام المجرد لأنها تقرب الصورة وتجلب الانتباه وتسخر الوهم للعقل وترفع الحجاب عن القلوب الغافلة وتؤلف المطلوب وتقربه.

يقول الإمام عبدالقاهر الجرجاني رحمه الله:"اعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو أُبرزت هي باختصار في معرضه، ونُقلت عن صورها الاَصلية إلى صورته كساها أُبّهة، وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشبّ من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار من أقاصى الأفئدة صبابة وكلفاً، وقسر الطّباع على أن تُعطيها محبة وشغفاً.

وتأثرت الأمثال في اللغة العربية بالقرآن الكريم تأثرا كبيرا، حيث كان القرىن متفردا في بلاغته، وفصاحة وقوة بيانه، الأمر الذي أثر على هذا اللون الشعبي، رغم قوة الشعر العربي قبل نزول الوحي بالقرآن، فكان القرآن هو الوعاء الأبيض الذي ينهل منه أهل هذا العلم من حيث الفوائد العظيمة للأمثال من التذكير والوعظ، و الحث والزجر والاعتبار والتذكير و تقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس لتثبت في الأذهان.

اظهار أخبار متعلقة

وجاءت الأمثال العربية مستوحاة في أغلبها من ألفاظ القرآن ومراده، وتعبيرا عنا قاله تعالى:(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [سورة العنكبوت 43]

في الآية دلالة على أن الأمثال شواهد للمعنى المراد وهي خاصية العقل ولبّه وثمرتهمن عقلها وفهمها يكون من العلماء الربانيين والأتقياء الأنقياء وكما ذكر ابن كثير عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، قال: عَقَلْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل".

وقد أثبت الحسين بن الفضل تأثر هذا اللون الشعبي من الأدب العربي بلغة القرآن، حينما سئل: "إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن الكريم فهل تجد في كتاب الله المثل : خير الأمور أوساطها ؟

■ قال : نعم في أربعة مواضع :

قوله تعالى : { لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك }

وقوله تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما }

وقوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط }

وقوله تعالى : {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا }



□ قيل : فهل تجد في كتاب الله المثل : من جهل شيئا عاداه ؟

■ قال نعم في موضعين :

{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه }

{ وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم }



□ قيل : فهل تجد في كتاب الله : اتق شر من أحسنت إليه ؟

■ قال : نعم

{ وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله }



□ قيل : فهل تجد في كتاب الله : ليس الخبر كالعيان ؟

■ قال : في قوله تعالى :

{ أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي }



□ قيل : فهل تجد : في الحركات البركات ؟

■ قال : في قوله تعالى :

{ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة }



□ قيل : فهل تجد : كما تدين تدان ؟

■ قال : في قوله تعالى :

{ من يعمل سوءا يجز به }



□ قيل : فهل تجد فيه قولهم : حين تقلي ندري ؟

■ قال : { وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا }



□ قيل : فهل تجد فيه : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ؟

■ قال : { هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل }



□ قيل : فهل تجد فيه من : أعان ظالما سلط عليه ؟

■ قال : { كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير }



□ قيل : فهل تجد فيه قولهم : لا تلد الحية إلا حية ؟

■ قال : قوله تعالى :

{ ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا }



□ قيل : فهل تجد فيه :للحيطان آذان ؟

■ قال : { وفيكم سماعون لهم }



□ قيل : فهل تجد فيه : الجاهل مرزوق والعالم محروم ؟

■ قال : { من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا }

يؤتي الحكمة من يشاء

لم تقف الأمثال على مجرد التعبير عن ثقافة الشعوب، ولكنها امتدت للتعبير عن الحكمة التي يستمدها كل إنسان بما أوتي من خير في القرآن الكريم، يقول الله في كتابه العزيز بسورة البقرة: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (269).

وقد ظهرت الحكمة على لسان كثير من الشعراء والأدباء في أمثالهم، كالإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه

ليسَ الجمالُ بأثوابٍ تُزينُنَا… إنَّ الجمال جمالُ العِلمِ والأدبِ

والإمام الشافعي

يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ… فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا

يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً… كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا

متاركة السفيه بلا جواب… أشد على السفيه من الجواب



ويقول الشافعي:

لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ… فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ

وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً… فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ

وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى… ودَافع ولكن بالتي هِيَ أحسَنُ



ويقول أبو العتاهية

وللصمت خير من كلام بمأثم… فكن صامتا تسلم وإن قلت فاعدل.

ويقول ابن دريد

وللفتى من ماله ما قدمت … يداه قبل موته لا ما اقتنى

ويقول أحمد شوقي

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم… فأقم عليهم مأتما وعويلا

ويقول أبو الأسود الدؤلي

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وتَأتي مِثلَهُ — عارٌ عَليكَ إذا فَعَلتَ عَظيمُ