إذا كان أطفالك لديهم القدرة على ضبط النفس، فإن لديهم فرصة أكبر لعيش حياة صحية وسعيدة عندما يكبرون.

هذا ما توصلت إليه دراسة نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، بعد تتبع أكثر من 1000 مواطن نيوزيلندي منذ الولادة وحتى سن 45 عامًا.

إذ وجد الباحثون أن الأطفال الذين كانوا موجهين نحو الهدف، والأكثر قدرة على كبح أفكارهم وسلوكهم وعواطفهم يتمتعون بأجساد وعقول أكثر صحة عند وصولهم إلى منتصف العمر.

وقالت مؤلفة الدراسة ليا ريتشموند راكيرد: "وجدنا أنه عندما يبلغون من العمر 45 عامًا، فإن الأطفال الذين يتمتعون بضبط أفضل لأنفسهم يتقدمون في العمر بشكل أبطأ".

وأضافت ريتشموند راكيرد ، الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة ميتشيجان"كانت أجسادهم وأدمغتهم أكثر صحة وشبابًا من الناحية البيولوجية. ووجدنا أيضًا أنهم طوروا المزيد من الاحتياطيات الصحية والمالية والاجتماعية للشيخوخة".

لماذا؟

أوضحت ريتشموند-راكيرد، أن فريقها البحثي يعتقد أن الأمر يتعلق بامتلاك "تنظيم عاطفي أفضل للتعامل مع الحياة. إنهم يخططون بشكل أفضل بحيث يواجهون عددًا أقل من الأزمات والتحديات. وتكون استجابتهم للتحديات مدروسة بدرجة أكبر عند ظهور الأزمات".
ورأى جيمس مادوكس، باحث أول في مركز النهوض بالرفاهية بجامعة جورج ميسون في فيرجينيا، والذي لم يشارك في الدراسة، أن النتائج قد تنبع من قدرة الشباب على تأخير الإشباع.

قال مادوكس: "إن الكثير من السلوكيات التي تساهم في تدهور الصحة هي نتيجة عدم القدرة النسبية على تأخير الإشباع"، مما يعني عدم القدرة على التخلي عن المكافآت الأصغر قصيرة الأجل لصالح المزيد من المكافآت الكبيرة طويلة الأجل.

وأشار إلى أن أمثلة الإشباع قصيرة المدى يمكن أن تشمل التدخين، والإفراط في تناول الطعام، والجنس غير الآمن، والذهاب إلى الحفلات وسط الوباء، حسبما نقلت وكالة "يو بي آي".

وقام فريق الدراسة بقياس ضبط النفس بين سن 3 و 11 عامًا من خلال تجنيد المعلمين وأولياء الأمور والأطفال المسجلين لتقييم اندفاع كل طفل، ومدى تحمله للإحباط، والقدرة على الاستمرار في تحقيق الأهداف.

بعد ذلك، تم إجراء مجموعة من الفحوصات الجسدية والمقابلات ومسح الدماغ في سن 45 لتحديد الصحة البدنية والرفاهية الاجتماعية لهؤلاء الذين شملتهم الدراسة.

اظهار أخبار متعلقة

شيخوخة أقل ومهارات أفضل 

وجد الباحثون، أن الذين لديهم قدر أكبر من ضبط النفس عندما كانوا صغارًا لديهم مؤشرات أقل لشيخوخة الدماغ بحلول منتصف العمر، وكانوا على دراية أفضل بالصحة والمالية، وطوروا مهارات اجتماعية أفضل.

والأهم من ذلك، وجد الباحثون أن النتائج صمدت حتى بعد حساب دخل الأسرة ودرجات معدل الذكاء.

وقالت ريتشموند راكيرد: "استبعدنا احتمال أن يكون ضبط النفس مهمًا، لأن الأطفال الذين يولدون لعائلات أكثر ثراءً يتمتعون بضبط أفضل للذات، أو لأن الأطفال الذين لديهم معدل ذكاء أعلى لديهم قدرة أفضل على ضبط النفس".

وبينما أقرت بأن "بعض الأطفال يطورون ضبط النفس بسهولة أكثر من غيرهم ، شددت على أن الدراسة وجدت أيضًا أن "بعض الأشخاص قد تحولوا في مستوى ضبط النفس لديهم بمرور الوقت، مما يشير إلى أن ضبط النفس قد يكون مرنًا وخاضعًا للتدخل".

وخلص الباحثون إلى أن ضبط النفس في مرحلة الطفولة لم يكن هو الذي أثر على الرفاهية لاحقًا في الحياة.

كما خلص مؤلفو الدراسة إلى أن "البالغين الذين يتمتعون بضبط أفضل للنفس طوروا المزيد من الاحتياطيات الصحية والمالية والاجتماعية لكبار السن، حتى لو لم يكن لديهم الكثير من ضبط النفس مثل الأطفال"، كما قالت ريتشموند-راكيرد.

وأضافت "نعتقد أن لهذا آثارا مهمة. حتى لو لم نمارس ضبط النفس جيدًا في وقت مبكر من الحياة، فقد تظل هناك فرص لإعداد أنفسنا للشيخوخة عندما نكون في الأربعينيات والخمسينيات من العمر. لم يفت الأوان بعد".

علاقة ضبط النفس بالحمض النووي 

ووافق مادوكس الرأي، وقال: "هناك بعض الأدلة على أن القدرة على ضبط النفس، مثلها مثل جميع جوانب الشخصية تقريبًا، مرتبطة جزئيًا بالحمض النووي الخاص بالإنسان".

وتابع: "ولكن هناك أيضًا الكثير من الأدلة على أن ضبط النفس ، أو ما يسمى عادة التنظيم الذاتي، يتكون من مجموعة من المهارات المحددة التي يمكن تعلمها وممارستها حتى يتحسن المرء فيها، مثل أي مجموعة أخرى من المهارات".

قال مادوكس: "هذا يعني أنه يمكن لأي شخص أن يتعلم كيفية ممارسة ضبط النفس بشكل أفضل،" سواء كان ذلك من خلال "نمذجة" الآباء لأطفالهم أو اكتساب البالغين مهارات تنظيم ذاتي أفضل في وقت لاحق من الحياة.

أضاف: "بالطبع، كلما طالت مدة ممارستك لعادات التنظيم الذاتي السيئة، كلما كان من الصعب التخلص منها. ولكن يمكن القيام به".