اختلف العلماء في بيان معنى الأمانة في قوله تعالى: قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا على أقوال، لكن الجمهور على أنها الفرائض، أو الأوامر والنواهي والتكاليف الشرعية التي كلف الله بها الإنسان، خلافا لمن قال إنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها.

تلك المفسرون في تأويل معنى عرض الأمانة الوارد في قوله تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ" وذكروا كلاما كثيرا  في معنى العرض يمكن إجماله في قولين:

أحدهما: أن الله تعالى ركَّب العقل في هذه الأعيان، وأفهمهنَّ خطابه، وأنطقهنَّ بالجواب حين عرضها عليهنَّ. ولم يُرد بقوله: أبَيْنَ المخالَفَة، ولكنْ أَبَيْنَ للخَشية والمخافة، لأن العَرْض كان تخييراً لا إِلزاماً، وأشفقن بمعنى خِفْنَ منها أن لا يؤدِّينَها فيلحقهنَّ العقاب، هذا قول الأكثرين، والثاني: أن المراد بالآية: إنّا عرضنا الأمانة على أهل السّموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة، قاله الحسن.

وعلى الرأي الثاني يكون المراد بالإنسان أربعة أقوال: أحدها: آدم، في قول الجمهور والثاني: قابيل في قول السدي. والثالث: الكافر والمنافق، قاله الحسن. والرابع: جميع الناس، قاله ثعلب.

ولما كان الإنسان هو من اختار وفق إرادة الله له التكاليف الشرعية وحمل الأمانة يكون وحس الآية قد ظلم وجهل وهذا قوله: (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا).. ويبقى السؤال ما معنى أن الإنسان ظلوم جهول؟ وردت تفاسير كثيرة في معناها منها ثلاثة أقوال: أحدها: ظَلوماً لنفسه، غِرّاً بأمر ربِّه، قاله ابن عباس، والضحاك، والثاني: ظَلوماً لنفسه، جَهولاً بعاقبة أمره، قاله مجاهد، والثالث: ظَلوماً بمعصية ربِّه، جَهولاً بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب.

فيما ذكر الزجاج في الآية وجهاً يخالف أكثر الأقوال، وذكر أنَّه موافق للتفسير فقال: إِن الله تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السّموات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأمّا السموات والأرض فقالتا: أَتَيْنا طائِعِينَ ، وأعلَمنا أن من الحجارة ما يَهْبِط من خَشية الله، وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجُدون لله، فعرَّفنا اللهُ تعالى أنَّ السموات والأرض لم تحتمل الأمانة، لأنها أدَّتها، وأداؤها: طاعة الله وترك معصيته، وكلُّ من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كلُّ من أثم فقد احتمل الإِثم، وكذلك قال الحسن: وحملها الإِنسان أي: الكافر والمنافق حَمَلاها، أي: خانا ولم يُطيعا، فأمّا من أطاع، فلا يقال: كان ظلوماً جهولاً ".

ويبغي أن يعلم في هذا أن التكاليف التي كلف بها الإنسان ليس فيها حرج ولا مشقة، فالله  لا يكلف نفسا إلا وسعها  وإلا ما يستطيع الإنسان حمله فليس الظلم في اختياره الحمل بمعنى ان لا يستطيع إنما في التفريط في حملها فالتكاليف التي كلف بها الإنسان سهلة يسيرة، ليس فيها حرج ولا مشقة، من إيمان وطهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج ، وبر للوالدين وصلة للأرحام وغير ذلك. والثواب المرتب عليها عظيم جليل وبهاذ يتبين ان الله تعلى حليم بعباده رؤوف بهم والمسلم العاقل هو من يلتزم بمنهج الله لا يخرج عنه وبهذا يخرج من الظلم والجهل لنفسه ومن الحرج أيضا.