وقد سميت زيارة المريض عيادة لأن الناس يعودون إليه مرة بعد أخرى  للاطمئنان عليه ومساعدته والدعاء له بالشفاء وإدخال الفرحة عليه وجبر خاطره، فالإنسان إذا مرض ولم يعده أحد أثر ذلك في نفسيته وربما تدهورت حالته لكن هذه الزيارة التي شرعها الإسلام تجلب المحبة وتذهب الحزن وتطمئن المريض أنه لا يزال محبوبا وأن الناس يفتقدون وجوده ولذا رتب الله عليها ثوابا عظيما.

للعلماء رأيين في هذا فقد ذهب بعضهم إلى أنها سنة مؤكدة, واختار شيخ الإسلام أنها فرض كفاية، وهو الصحيح . فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم : (خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم : وذكر منها : عيادة المريض ) وفي لفظ : ( حق المسلم على المسلم ...) وقال البخاري : " باب وجوب عيادة المريض وروى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أطعموا الجائع , وعودوا المريض , وفكوا العاني) " .. وحتى لو كان سنة فهو أحد حقوق المسلم على المسلم وهي لا تقف على المسلمين بل تشمل غيرهم بل تشمل من عرفت ومن لم تعرف،  والمريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس, أما إذا كان مريضاً ولكنه يخرج ويشهد الناس فلا تجب عيادته .

وما تجدر الإشارة إليه مع الظرف الراهن حيث ينتشر الآن وباء كورونا المستجد  وهو مرض وبائي ينتقل بالملامسة والتنفس وربما لو انتشر لا يمكن السيطرة عليه وفي هذه الحالة لا يسمح بالزيارة خوفا على المريض ومن يزوره أيضا ويمكن تعويض هذا بالاطمئنان عليه من أهله وذويه وعرض مساعدات والوقوف بجانبهم أو الاتصال عليه عبر الوسائل الحديثة فكل هذا يقوم مقام الزيارة ولا ينقص من أجرها إذا حبسك عنه مانع .. كما يمكن أن تدعو له في هذه الحالة بظهر الغيب أن يرفع الله عنه الوباء ويرد عليه صحته وعافيته وتخلص له في الدعاء.

حفل ديننا الحنيف بالعديد من النصوص التي ترغب في إقامة هذا الحق والواجب الاجتماعي ورتب على ذلك عظيم الأجر والثواب ومما ورد في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ ) خرفة الجنة أي جناها، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا ) كما روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ , فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا ) وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ) .

ومن رحابة الإسلام وسماحته أنه تعدى بهذا الحق المسلمين لغيرهم فأجاز بل رغب في زيارة غير المسلم المريض وبهذا ينشر الود فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم . رواه البخاري كما حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب فدعاه إلى الإسلام فأبى . متفق عليه، والمصلحة في ذلك قد تكون دعوته إلى الإسلام, أو كف شره أو تأليف أهله ونحو ذلك وهو ما يبرز صورة سمحة عن الإسلام الذي يحتضن الآخر ولا يزدريه.

يستحب تكرار الزيارة لمن لا يتضرر بهذا ولا يشق عليه وقد اختار بعض العلماء أنه لا يعوده كل يوم حتى لا يثقل عليه , والصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال , فبعض الناس يستأنس بهم المريض ويشق عليه عدم رؤيتهم كل يوم , فهؤلاء يسن لهم المواصلة ما لم يعلموا من حال المريض أنه يكره ذلك، شريطة أن يراعي الزائر آداب الزيارة فلا يطيل الجلوس عند المريض , بل تكون الزيارة خفيفة حتى لا يشق عليه , أو يشق على أهله ، فإن المريض قد تمر به حالات أو أوقات يتألم فيها من المرض ، أو يفعل ما لا يحب أن يطلع عليه أحد , فإطالة الجلوس عنده يوقعه في الحرج ويعرف طول الجلوس وقصره بالعرف وهذا شيء يعرفه كل الناس ، ومن آداب الزيارة أيضا اختيار الوقت المناسب لها فلا يذهب إليهم في وقت متأخر من الليل أو يفاجئهم في الصباح الباكر ما لم يكن العرف على ذلك يقول ابن القيم: لم يخص صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام , ولا وقتاً من الأوقات بعيادة , بل شرع لأمته ذلك ليلاً ونهاراً , وفي سائر الأوقات، وكان بعض السلف يعود المريض في أول النهار أو أول المساء حتى تصلي عليه الملائكة وقتاً أطول , عملاً بالحديث المتقدم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ) .

والضابط في هذا وحتى يخرج من الحرج أن ينسق ذلك بالاتفاق مع المريض نفسه أو أهله .

وردت أحاديث في الدعاء للمريض ومنها: ( لا بأس ، طهور إن شاء الله ) رواه البخاري. ويدعو له بالشفاء ثلاثاً , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وقال : ( اللهم اشف سعداً ، ثلاثاً )، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول : ( أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ , وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي , لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ) ومنها : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ) وأن يهون عليه ما يجد ، ويبشره بحصول الشفاء والعافية إن شاء الله تعالى , فإن ذلك يطيب نفس المريض ويشعره بالأمل في الشفاء ولا ييأسه من حاله ويقنطه من الشفاء.