الوصول إلي مرحلة العبد الرباني أمر ليس بسهل بل يحتاج إلي جهد ومثابرة وطاعة لله لاسيما أن  العبد الربانيّ يتميز بعدّة علاماتٍ وأماراتٍ، تظهر على أفعاله وأخلاقه، منها  الحرص على طاعة الله، وعلى إقامة حُكم الله، وشريعته، وعلى إقامة دِين الإسلام، مصداقا لقوله تعالي -: "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّـهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء "

 حبر الأمة عبدالله  بن عبّاس -رضي الله عنهما- علقعلي هذا الأمر قائلا : "كونوا ربانيين: حلماء فقهاء"، وفسّر ابن كثير استحفاظ كتاب الله بقَوْله: "أي: بما استُودعوا من كتاب الله الذي أُمروا أن يظهروه ويعملوا به"، وقال ابن جرير: "معناه: يحكم النبيّون الذين أسلموا بحُكم التوراة، والربانيّون والأحبار، يعني العلماء بما استودعوا علّمه من كتاب الله، الذي هو التوراة". الأمانة في العلم، وفي حفظ القرآن، وحمايته من الزيادة، والنقصان، وتعليمه للآخرين، وتوضيحه. القيام بواجب الدعوة إلى الله،

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريقك لتكون عبدا ربانيا

وكذلك يبدو الأمر بالمعروف حاضرا بقوة ضمن صفات العبادالربانيين وكذلك ، والنُّهي عن المنكر، قال الله -تعالى-: "لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" فضلا التصرّف بحكمةٍ، وعلمٍ، ودرايةٍ، والتدرّج في دعوة وتعليم الآخرين، قال -تعالى-: "مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ"]

{وإذا نظرنا بحسب الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق  إلي الاية الكريمة  إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} هذه الآية تنتمي إلى الآيات التي تبين الحقائق وأولها إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} جزء من آية يبين حقيقة، حقيقة {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} حقيقة إنه غفور رحيم أما الحقيقة الثانية: فهو "يُحْيِي وَيُمِيتُ فلا يحيي سواه، ولا يميت سواه سبحانه وتعالى وثالث الحقائق وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير

اظهار أخبار متعلقة

ثلاث حقائق بحسب الدكتور علي جمعة، وكلها تعد من صفات الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليها أمورٌ : فأول ذلك : {إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يترتب عليها أنه إذا كانت هذه حقيقة فيجب عليك وظائف تقوم بها أولها : التوكل على الله سبحانه وتعالى وثانيها : التسليم والرضا بأمر الله تعالى وثالثها: الالتجاء والدعاء والضراعة لله سبحانه وتعالى ..أما رابع هذه الوظائف : أن تخليَّ قلبك من السوى، أي ما سوى الله سبحانه وتعالى، فلا يكون في قلبك إلا هو، لا إله إلا هو.

وكما يؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فأنت إذا فعلت ذلك تجلت على قلبك الأنوار، وانكشفت لك الأستار، وتبينت لك الأسرار، وتنزلت على قلبك الرحمات. فكنتَ بذلك عبدًا ربانيًّا إذا دعوت وقلت: يا رب. فإنه يستجيب لك، "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

وظائف ضروروية لتكون عبدا ربانيا 

حقيقة، هذه الحقيقة سيترتب عليها عقيدة، وهذه العقيدة سيترتب عليها وظائف، ينبغي على العبد أن يفعلهاأول هذه الوظائف التوكل، حسن التوكل على الله، والتوكل يجب أن يكون على الله؛ لأن «مَن توكل على الله كفاه ولذلك لا نعتمد بقلوبنا على مَن سواه، وإذا طلبنا، وإذا سألنا، قال رسول الله: «وإذا سألت فسأل الله». كَرَّهَنَا رسول الله في سؤال الخلق، وإذا سألناهم سألناهم على سبيل السبب الجاري ».

وكان العديد من  الصحابة الكرام يمتثل لذلك امتثالًا حادًّا جادًّا، كان إذا سقط سوطه وهو على الفرس، كان ينزل من على الفرس حتى يأخذه حتى لا يسأل الناس شيئًا. ما هذا ؟ هذا الشخص تعود في نفسه على نوع من أنواع العزة، وما سبب ذلك؟ أنه يعلم تلك الحقيقة {إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

اقرأ أيضا:

وهذه الحقيقة تقتضي أن الله سبحانه هو الملك والمالك ، فالملك يقتضي أنه المالك، فهو صاحب هذا الكون، ولذلك عندما تكلموا هل يتصور من الله الظلم؟! فقالوا: أبدًا لا يتصور من الله الظلم. لماذا؟ لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير. وهذا ملكه سبحانه وتعالى يتصرف فيه كيف يشاء، فكيف يكون ظلم ؟!فهو سبحانه وتعالى له ملك السموات والأرض. إذًا لا يتصور منه سبحانه ظلم أصلًا لا قليل ولا كثير.

ولكل ما سبق يجب علي العبد المؤمن ان يسلك جميع السبل ليكون العبد ربانيا باعتبار ان سلوك هذا الطريق يضمن القرب من الله والتمتع بجميع نعمه وأهما استجابة الله لدعاء العبد المسلم وما أعمه من نعمة تستحق السير في الطرق الوعرة للوصول إليها .