فالعتاب يعني أنه إذا استشكل عليك شيء من عزيز لديك وتربأ به أن يفعل ما فعل ولا تجد ما تدافع به عنه فتتوجه إليه مستفهما معاتبا حتى يزيل عنك الغمة ولا تضمر في نفسك من حقد..

والعتاب بهذا المعنى محبوب مرغب فيه ولقد عاتب الله تعالى نبيه في اكثر من موضوع في كتابه إذا فهو يقع بين الأحباب والأصفياء ولا يكون غالبا بين الأعداء ظاهر ي العداوة لأن العتاب طريق الصلح وأمارة تقريب وجهات النظر  وهو مستبعد في حال المتخاصمين.

فلا تخلو  الصداقة مما يعكر صفوها وسواء بفعل شياطين الإنس أو شياطين الجن والعتاب في هذه الحال يحل ازمة كبيرة تتصاعد في نفس الأصدقاء إن لم يعاتب كل منهما صاحبه ويستفهم منه ما حدث ويسمع مبرراته  فذلك أحرى أن يؤدم بينهما.. ومن يعاتب أخاه  فهو دليل على صدق محبته له ورغبة في وصاله.

وللعتاب آداب أهمها ألا يعاتب وهو يريد إلجام صديقه أو حبيبه ولكن فقط يتبين حال ويستفهما ليعذره.

كما أنه لا ينبغي أن يسرف كل منهما في معاتبة صديقة على أمر وقع فيه سواء معه او مع غير فإن في كثرة المعاتبة نفور وشرود  ومن ذا الي يماس ء قط ومن له الحسنى فقط بل غن قبولك صديقك على خطأ وتقويمك له مع الوقت دليل صدق محبتك أما أن تتلكأ له لتهجره فهذه الصداقة الواهية.

ونم آداب العتاب أن يكون برفق وفي السر وبأفضل الأساليب مع تقديم حسن الظن.

ومن آدابه أيضا قبول عذره إن اعتذر وإن رأيت أعذراه واهية.. فاقبلها وقوّمه وعدل من سلوكه وهو يعدل من سلوكك فهذا دليل الفلاح وثمرة الصداقة.

أيضا ابتعد عن التشهير والهجر فكلاهما مذموم ولا يدلان إلا على ضعف النفس وتوغل الشيطان من الإنسان.

وقدر ورد في مدح العتاب كثير من الأقوال منها ما قاله يقول الثعالبي - رحمه الله - في مدح العتاب: قال بعض البلغاء: العتاب حدائق المتحابين، وثمار المتوادين، والدليل على الضنِّ بالأخوَّة.

ويُقال: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد، ومن لم يعاتب على الزَّلَّة، فليس بحافظ للخُلَّة.

وقال ابن المعتز: العتاب حياة المودة، وقيل: من كثر حقده، قَلَّ عتابه.

في ذم العتاب ورد عن بعضهم قوله: كثرة العتاب تُورِث الضغينة، وتولد البغضة.

وقال بعض الحكماء البلغاء: مثل العتاب مثل الدواء، يشفى بمكانه مرضُ الصدور؛ فإذا استعمل لغير علة عارضة، وبلا حاجة ظاهرة، تحوَّل داء المحبة دويًّا، وصار موتًا بيد القطيعة.

تغافل عن الأخطاء ليس تأكيدا للخطأ أو عدم اهتمام به، وليس سذاجة ولا غباء ولا ضعف، بل هو الحكمة بعينها .. قال أهل الفضل: لا يكون المرء عاقلاً حتى يكون عما لا يعنيه غافلاً.

وقال عثمان بن زائدة: قلت للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، فقال: "العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل" وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور.

ليس الغبي بسيد في قومه .. لكن سيد قومه المتغابي!

من أحسن ما روي في التغافل، فعل نبي الله يوسف عليه السلام لما ذكر أمر ما وقع من إخوته - بعد وعده لهم أنه لا تثريب عليهم – قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100]. ولم يقل: من بعد أن فعل إخوتي ما فعلوا من محاولة قتلي أو التخلص مني وحرماني من أبي أو حرمانه مني، وإنما نسب الفعل إلى الشيطان، بل وبدأ بنفسه فقال: {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} حتى لا يكون هناك تلميح ولو من بعيد بأن الشيطان أتى من ناحيتهم.

• قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأوهمها أنه أصمّ، فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت فلقّب بـ «حاتم الأصم».

• ومن هذه المواقف الجلية في أدب التغافل، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.