يقول الإمام الشنقيطي رحمه الله: «إذا وجدت الأيام تمر عليك.. وليس لكتاب الله حظ من أيامك.. وساعات ليلك و نهارك.. فابك على نفسك واسأل الله العافية.. وانطرح بين يدى الله منيبًا مستغفرًا.. فما ذلك إلا لذنب بينك وبين الله».. كارثة كبيرة نقع فيها جميعًا وهي أننا ننسى كتاب الله العظيم، ننسى حتى أن نقرأ فيه ولو قليل..
وليعلم كل مسلم أن ما يزيد من حجم كارثة هجر القرآن الكريم، هو أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم اشتكى قومه إلى ربه عز وجل، حينما هجروا القرآن الكريم، قال تعالى: « وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا » (الفرقان: 30)، فليحذر الكل من كارثة ومغبة هجر القرآن بأي نوع من أنواع الهجران، فمما لاشك فيه (خاب وخسر من كان الله ورسوله خصمه).
أنواع الهجر
هجر القرآن أنواع، ليس فقط ألا تلمس المصحف وتقرأ فيه، وإنما أيضًا أن تهجر سماعه، أو أن وليعاذ بالله، تغلو فيه، قال تعالى: « وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ » (فصلت: 26).
أيضًا البعض يهجر العمل بالقرآن وما جاء فيه، كأن يبتعد عن تشريعاته وأوامره، قال تعالى: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ » (فصلت: 44).
الكارثة الأكبر أن يحسبك الله من ضمن المنافقين، فقط لأنك هجرت كتابه الكريم، قال تعالى يوضح ذلك: «وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ » (النور: 48 - 52).
اقرأ أيضا:
بركة الطعام لاتحرم نفسك منها.. ماذا تفعل لو نسيت "التسمية" عند الإفطار؟معنى هجر القرآن
المعنى الأساسي لهجر القرآن، بالتأكيد عدم مس المصحف والقراءة فيه أو حفظه، لكن الأهم عدم العمل بما جاء فيه، لذلك جاءت شكوى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فهل يعقل أن الصحابة الكرام كانوا يهجرون القرآن؟.. بالتأكيد لا.
لكن الشكوى جاءت من الخوف من أن أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام تبتعد عن نهجه، والبعد يعني (الشتات والتوهان)، وكثير من العلماء حذروا مرارًا من أن الأمة لن تعود لها قوتها إلا بالقرآن.. فهلا وعينا ذلك؟.