التدبر بما جاء في القرآن الكريم، عظيم، وفيه الكثير والكثير من الآيات التي إن توقفنا أمامها نتعظ ونتعلم خير التعلم منها.
ومن ذلك، الآيات التي تتحدث عن (الفرار)، سنجد جميعها يعقبه قول (من)، أي يكون الفرار من شيء ما.. إلا أنه عند الحديث عن الفرار مع الله.. ترى الحديث يتحول مائة مرة، ويكون إليه سبحانه وليس منه، قال تعالى: «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ» (الذاريات 50).
هنا يجب على كل مسلم التوقف قليلاً للتأمل، وبيان عظمة هذا الأمر، لأن الإنسان بطبيعته يفر من كلّ شيء يخافه ويهابه، ويكون هدفه الوحيد هو السلامة والنجاة من ذلك الشيء الذي يخاف منه.
ومن ذلك الموت فإن الإنسان يخاف منه بالفطرة فيفر منه، قال تعالى : « قُلْ إِنَّ الْموتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإنَّهُ مُلَاقِيكمْ...» (الجمعة ٨).. لكن الفرار مع الله أمر مختلف تمامًا لأنه إليه وليس منه.
كيف يكون الفرار إلى الله؟
هنا يكون السؤال الأهم، كيف يكون الفرار إلى الله؟.. والإجابة، أن الفرار إلى الله يكون بتوحيده وتحقيق سبل طاعاته، وإتيان الأعمال الصالحات، فإنه من يفعل ذلك لاشك يجد الأمان والطمأنينة والراحة والسكينة عنده ، ولاسيما عند المصائب والابتلاءات
فإن الإنسان عليه الفرار إلى الله بالاستغفار والتوبة والصدقات والأعمال الصالحة والتفريج عن كربات المحتاجين والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فإنها من أعظم الأسباب للسلامة والنجاة.. فإنه بدون أدنى شك لا ملجأ ولا منجى إلا بالفرار إليه سبحانه، فهو الكاشف عن كل ضر وبلوى وهو أرحم الراحمين.
اقرأ أيضا:
بركة الطعام لاتحرم نفسك منها.. ماذا تفعل لو نسيت "التسمية" عند الإفطار؟من هم الفارون إلى الله؟
إذن من هم الفارون إلى الله عز وجل؟، هم بلاشك من يخافون الله عز وجل في جميع أفعالهم، حتى لو أخطأوا تكون أولى خطواتهم هي التوبة والإنابة، والرغبة في الاستغفار والندم على ما فعل، تراه لا ينام، ويصحو والناس نيام، يتوضأ ويقف بين يدي الله عز وجل يسأله الاستجابة لتوبته، هؤلاء قلوبهم حاضرة ومتيقظة، لا تخشى إلا الله، تذهب إليه في الوقت الذي قد يتبعد الناس، تأمن بقربه، وتسعد لرضاه، تشعر بهذا الرضا في قلوبهم، ويسعدون بمجرد الوقوف بين يديه في ظلمات الليل.. لذا على كل مسلم أن يفر إلى الله، كما يقول أحد الحكماء: «فروا من أنفسكم إلى ربكم».