أخبار

ما الحكمة من موت الفجأة لبعض الناس دون أية مقدمات؟ (الشعراوي يجيب)

ليس كل الكذب مرفوضًا.. تعرف على الكذب المحمود

من هم أهل الحوض الذين سيشربون من يد النبي الشريفة يوم القياية؟ وماذا كانوا يفعلون؟

كيف تعرف خروج الكلام من القلب دون غيره؟

"لا يكلف نفسًا إلا وسعها".. تقصير الأبناء متى لا يكون عقوقًا للوالدين؟

أترضاه لأمك؟.. ماذا نفعل مع شواذ الأخلاق وخوارج الفطرة؟

تعرضت للتحرش 4 مرات في طفولتي ومراهقتي وأكره نفسي وأفكر في الانتحار وقتل رضيعتي.. أرشدوني

العفو من شيم الصالحين.. كيف أتخلق به؟

أتذكر المعصية بعدما تبت منها.. كيف أحفظ خواطري؟

تعرف على منزلة النية وأثرها في قبول الأعمال

سلامة الصدر من الغل والحقد.. مصدر راحة النفس وصفائها وتماسك المجتمع

بقلم | خالد يونس | السبت 27 يونيو 2020 - 09:31 م

إنّ سعادةَ القلب، وسرور النفس، وطيبَ العيش وصفاء الحياة، غايةٌ يسعى إليها الناس جميعاً، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغَه العقلاء عامّة، فتراهم يعملون كلَّ وسيلة، ويتَّخذون كلَّ سبب، ويركبون كلَّ مركب، يبلغون به هذه الغايةَ، ويصلون به إلى هذا المراد. غيرَ أنّ من أنار الله بصيرتَه وألهمه رشده، يعلم أن سلامةَ الصدر مِن الأحقاد، وبراءَته من الضغائن، وصيانته من الشحناء والكراهية، هو من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من النجاح.

إن سلامة الصدر وطهارته تبدو واضحةً في حب المسلم الصادق الخير للناس جميعاً، وسروره بما يسوق الله إلى عباده من نِعم، وفي براءة نفسه من حمل الحقدِ على إخوانه وإضمار الضغينة لهم، وفي طهارة قلبه من الفرح بآلامهم، والسرور بما ينزل بهم من مصائب. ولِمَ لا يكون هذا شأنَه وهو يتلو قول ربه الأعلى سبحانه في كتابه حكايةً عن دعاء المؤمنين الصادقين المخبتين، في دعائهم الصادق المخبت: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ويقرأ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله أحد أصحابه رضي الله عنه: (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَان. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْب؟ قَال: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَد).

ويسمع قوله صلى الله عليه وسلم عن أحد أصحابه: (يطلع عليكم الآنَ رجلٌ من أهل الجنة)، وتكرَّر ذلك الموقف في ثلاثةِ مجالس، فلمّا تبِعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ليرى ما يفعَل من الطاعة، فلم يَر كبيرَ عمَلٍ فسأله: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه؟ فقال الرجل: ما هو إلاّ ما رأيتَ، فقال عبد الله: فلمّا ولّيتُ دعاني فقال: ما هو إلاّ ما رأيتَ، غيرَ أني لا أجِد في نفسي لأحدٍ منَ المسلمين غشًّاً ولا أحسدُ أحدًاً على خيرٍ أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلَغَت بك، وهي التي لا نطيق)

سمات الأنبياء والمرسلين


كما إن سلامة الصدر ونقاء القلب من سمات الأنبياء والمرسلين، فهم أطهر الناس قلوبأً، وأحسنهم سريرة، وأسلمهم صدوراً، أحبوا الخير لأقوامهم وأممهم، وبذلوا كل غالٍ ونفيس في نصحهم وإرشادهم، وتعليمهم وهدايتهم؛ يقول سبحانه عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام: (أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) ويقول تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾

أما نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد منَّ الله عليه بانشراح الصدر، وسلامة القلب، وطهارة النفس؛ فقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)

إن سلامة الصدر تعني سلامته من كل غل وحسد وحقد وكراهية وبغضاء على الناس والمسلمين، وهي من أعظم الخصال وأشرف الخلال، ولا يقوى عليها إلا الرجال. ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس على سلامة قلبه، فكان من دعائه فِي صَلَاتِهِ أنه يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً وَلِسَاناً صَادِقًاً). وكان صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ).

مفتاح المجتمع المتماسك


إن سلامة الصدر ونقاءه، مفتاح المجتمع المتماسك، الذي لا تهزه العواصف، ولا تؤثر فيه الأحداث والفتن والمحن، وكيف يا ترى يكون مجتمع تسوده الدسائس والصراعات والمؤامرات والفتن، وتمتلئ قلوب أفراده غشاً وحسداً وحقداً وكراهية وأمراضاً؟ أفذاك مجتمع أم غابة وحوش وذئاب؟ الله المستعان على مانرى ونسمع ونشاهد في هذا الزمان

أيها المؤمنون:إن سلامة الصدر فيها صدق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كان أسلم الناس صدراً، وأطيبهم قلباً، وأصفاهم سريرة. وشواهد هذا في سيرته كثيرة، ليس أعظمها أن قومه أدموا وجهه يوم أحد، وشجوا رأسه، وكسروا رباعيته، فكان يمسح الدم عن وجهه الشريف ويقول:(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

أروع الأمثلة والمواقف


وقد ضرب السلف الصالح من الصحابة وآل بيت النبي الكريم والتابعين رضي الله عنهم، ضربوا أروع الأمثلة في سلامة الصدور وطهارة القلوب اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، فلقد كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً، يعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضاً، ويحب بعضهم بعضاً، كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ وكما قال جل ذكره في وصفهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾ وقد كان لسلامة الصدر عند الأصحاب منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم، وجاء في وصفهم،: (بأن الأفضل عندهم الأسلم صدراً، والأقل غيبة) وقد قال سفيان بن دينار لأبي بشر- وكان من أصحاب الإمام علي-: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم.

و المرء لا ينقضي عجبه من ذلك الجيل الرباني الصالح الكريم الفريد،الذي رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعهم على عينه، حيث إن قلوبهم بقيت صافية وسليمة، طيبة السريرة، رغم ما وقع بينهم من فتن كبار، أشهرت فيها السيوف، واشتبكت فيها الصفوف،وقتل فيها من قتل، فلا إله إلا الله، ما أطيب المعشر وأكرمه.. ومن تلك المواقف ما حفظه التاريخ عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم:

فعن عامر الشعبي رحمه الله قال: رأى الأمام علي بن أبي طالب طلحة بن عبيد الله في واد ملقى على وجهه مقتولاً – بعد وقعة الجمل التي كانت بين علي وبين عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم – فنزل علي فمسح التراب عن وجه طلحة وقال وهو يبكي: عزيز علي يا أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية تحت نجوم السماء إلى الله أشكو عجري وبجري).(أي أحزاني وهمومي). ودخل على عليّ بن أبي طالب عمران بن طلحة بن عبيد الله فقال له علي: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) وحضرت الوفاة أبا دجانة الأنصاري -رضي الله عنه- وكان وجهه يتهلل فقيل له في ذلك فقال: (ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً)… وأُثِر عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّه كان يدعو لسبعين من أصحابه، يسمِّيهم بأسمائهم، وهذا العمل علامة على سَلَامة الصَّدر.. وضُرب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في زمن الخليفة المعتصم ضرباً شديداً، فلما كان زمن المتوكل أحس الإمام بأذى في ظهره، فإذا هي لحمة فاسدة التأم عليها الجرح، ولم يكن بد من شق الظهر وإخراجها، قالوا: (فلما أحس الإمام بألم المبضع وحر الشق قال: (اللهم اغفر للمعتصم). فيا سبحان الله، يستغفر لمن كان سبباً في ألمه! إنه منطق عظيم لا تعرفه القلوب الضيقة والنفوس الصغيرة.

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ

ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ

ومرض الإمام الشافعي رحمه الله فعاده بعض أصحابه فقال له: (قوى الله ضعفك! فقال الشافعي: (لو قوى ضعفي لقتلني! فقال: (يا إمام والله ما أردت إلا الخير، فقال أعلم أنك لو شتمتني ما أردت إلا الخير).

وآعجباه!! إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن الغضب لنفسها.

اقرأ أيضا:

من هم أهل الحوض الذين سيشربون من يد النبي الشريفة يوم القياية؟ وماذا كانوا يفعلون؟

لا عتاب .. بل تغافر وتسامح 


وقال أخ صديق لابن السماك رحمه الله: (موعدنا غداً نتعاتب، فقال له ابن السماك: بل موعدنا غداً نتغافر ونتسامح)، وهو جواب يأخذ بمجامع القلوب، فلماذا التعاتب المكفهِر بين الإخوة كل منهم يطلب من صاحبه أن يكون معصوماً؟ أليس التغافر والتسامح وسلامة الصدر أولى وأطهر وأبرد للقلب؟ أليس جمال الحياة أن تقول لأخيك كلما صافحته: رب اغفر لي ولأخي هذا، ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك؟ بلى والله… ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، وفيهم مَسْلمة، وكان سيِّدهم، فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإنَّها عِصْمة باقية، وجُنَّة واقية، وهي أحصن كهف، وأزْيَن حِلْية، ليعطف الكبير منكم على الصَّغير، وليعرف الصَّغير منكم حقَّ الكبير، مع سَلَامة الصَّدر، والأخذ بجميل الأمور..

ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر : إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً، فأنت من أهل هذه الآية : (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وإن كنت صادقًاً، فأنت من أهل هذه الآية : (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) وإن شئت عفونا عنك.، فقال : العفو، يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً) وعن الفضل بن أبي عيَّاش رحمه الله قال : (كنت جالساً مع وهب بن منبِّه، فأتاه رجل، فقال : إنِّي مررت بفلان وهو يشتُمك. فغضب، فقال : ما وجد الشَّيطان رسولاً غيرك ؟ فما بَرِحْت من عنده حتَّى جاءه ذلك الرَّجل الشَّاتم، فسلَّم على وهب، فردَّ عليه، ومدَّ يده، وصافحه، وأجلسه إلى جنبه)… ومن قبل ذلك قال هابيل لأخيه قابيل وقد هم بقتله وتوعده (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).

اقرأ أيضا:

كيف تعرف خروج الكلام من القلب دون غيره؟

اقرأ أيضا:

"لا يكلف نفسًا إلا وسعها".. تقصير الأبناء متى لا يكون عقوقًا للوالدين؟


الكلمات المفتاحية

سلامة الصدر الغل الحقد صفاء النفس تماسك المجتمع التغافر

موضوعات ذات صلة

الأكثر قراءة

amrkhaled

amrkhaled إنّ سعادةَ القلب، وسرور النفس، وطيبَ العيش وصفاء الحياة، غايةٌ يسعى إليها الناس جميعاً، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغَه العقلاء عامّة، فتراه