لجنة الفتوي بمجمع البحوث الإسلامية ردت علي هذا التساؤل قائلة إن شرع الإسلام النكاح من أجل التكاثر البشري وإبقاء للنسل تحقيقا لقوله تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة" (البقرة 30)، وقوله صلى الله عليه وسلم "تزوجوا الولود الودود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"
فتوي اللجنة المنشورة علي الصفحة الرسمية للمجمع علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك " أكدت أن الأصل كرهة العزل في الجماع ومنع الحمل إلا لعذر، فمع اختلاف الفقهاء في حكم العزل بين مجيز ومانع، فإن الأولى تركه إلا لعذر فقد روى عن أبي سعيد الخدري أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال عليه السلام: "لا عليكم ألا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر.
اللجنة استدلت كذلك بما قاله الإمام أحمد: قوله صلى الله عليه وسلم "لا عليكم" أقرب إلى النهي، وقال الحسن: والله لكأن هذا زجر، وقال الإمام النووي: هو مكروه عندنا في كل حال ... لأنه طريق إلى قطع النسل ....، ثم يجمع بين الأحاديث بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه، وما ورد في الإذن محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفي الكراهة).
وشددت لجنة الفتوي بالمجمع بأن أهل الذكر والاختصاص في ذلك هم الأطباء، لقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، ذلك أن الفتوى تحتاج لمعرفة الواقع، ثم تنزيل الحكم الشرعي على هذا الواقع، ومن المعلوم أن الأطباء هم من يرجع إليهم لمعرفة أن فيروس كورونا يؤثر على الأم والجنين أم لا .
وكما تؤكد فتوي مجمع البحوث فقد اختلف الأطباء في تحديد هذا فمنهم من نظر إليه باعتباره احتماليا ومشكوكا فيه، ولم يصل إلى الظن أو اليقين، ومن ثم فإذا كان الهدف من تأخير الحمل زمن انتشار فيروس كورونا هو الخوف على المرأة، أو الجنين حين الولادة فلا مانع من ذلك شرعا بشروط.لجنة الفتوي تمسكت بشروط ثلاثة: الأول: ألا يكون المنع بوسيلة ضارة بدنيا أو نفسيا. والثاني: أن يكون الهدف تأجيل الحمل حتى تنتهي الجائحة، وليس المنع الكلي للحمل بتعقيم الرجال، أو استئصال رحم المرأة. الثالث ألا يكون تأجيل الحمل نظرة اجتماعية عامة، بل ينظر فيه كحالات فردية لكل امرأة على حدة حسب ظروفها الصحية، وما إذا كانت تعاني من أمراض مزمنة تزيد من الخطورة عليها حال إصابتها بالفيروس، وبما يقام الأمر مع الحمل.
واستدت اللجنة في فتوها إلي ما قاله الفقهاء من أن المشقة تجلب التيسير عملا بقوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" (رواه مالك مرسلا، والدارقطني، ابن ماجة)، لكن مع تقدير الضرورة والحاجة بقدرها، كما يستدل على مشروعية تأجيل الحمل حالة تأكيد الضرر من الأطباء، أو حتى إخبارهم بظن الخطورة والضرر بالقياس، حيث يقاس هذا الأمر على جواز فطر المرأة وعدم الصوم في رمضان خوفا على نفسها، أو جنينها، أو رضيعها، بل هنا أولى وأعظم .
اقرأ أيضا:
هل يصح صيام وصوم النفساء عند ارتفاع الدم قبل الأربعين؟وتطرقت اللجنة في نهاية الفتوي إلي أمر يتعلق بإذن الزوج، وهنا ينبغي التفرقة بين حالتين: الأولى: حالة احتمال الضرر المتوقعة دون دراسات علمية تؤيد ذلك، بل يكون التأجيل من باب الاحتياط فقط، فهنا يستلزم التأجيل موافقة الزوج، بمقتضى ما له من حقوق زوجية، والحالة الثانية: أن يؤكد الأطباء الضرر أو حتي يقولون بغالبية الظن بسبب دراسات ومشاهدات أولية تفيد ذلك، أو أن تكون المرأة من أصحاب الأمراض المزمنة المتفق على خطورة أمرها حال الإصابة بالفيروس، وبما يجعل الحمل عبئا ضافيا، فلها تأجيل الحمل دون إذنه، إذ بالموازنة بين ضررها وبين ضرره، يكون ضرها أعظم، فيراعى دون غيره