من أصعب المشاعر التي يشعر بها الإنسان هو القهر، ويأتي شعور القهر ممزوجًا بالوهن والضّعف، والحزن والمقت.
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشعور حينما ذهب إلى الطائف، ولقى من أهلها ما لقى، حتى أنه بكى وجلس متضرعا إلى الله قائلا له: " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن رحمتك أوسع لي".
وقهر الرجال؛ يأتي عندما يعجز عن دفع الضرر عن نفسه، ودماله وعرضه ودينه، وأهله، وقد يلحق به بسبب مجافاة الأقارب وشماتة الأعداء؛ وقهر الرّجال قد قُرن بغلبة الدّين، وغلبة الدّين كثرة الدّين أو قلّته التي تجعل الإنسان يشعر بالضّعف والذّلّ أمام دائنيه.
اقرأ أيضا:
لماذا أجر الصوم مضاعف في رمضان؟كيف تغلب النبي على القهر النفسي وحسد أعدائه؟
ما أن شعر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشعور حتى رفع صوته بالدعاء لربه قائلا: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملّكته أمري إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك الحمد حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلى بك".
فضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الامثلة في الصبر على أذى الغير، من خلال رحلة الطائف حينما خرج يلتمس النصرة من ثقيف ويدعوهم إلى الإسلام، فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة؛ عبد يَالِيل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، وهي صفية بنت معمر بن حبيب بن قدامة بن جمح، وهي أم صفوان بن أمية.
و جلس النبي صلى الله عليه وسلم ليكلَّمهم عن الإسلام، فقال له أحدهم وهو يمرط ثياب الكعبة: إن كان الله أرسلك!
وقال الآخر: أما وجد اللهُ أحدًا يرسله غيرك.
وقال الثالث: والله لا أكلِّمك أبدًا، لئن كنت رسولٌ من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرُدَّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلِّمك.
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندهم وقد يَئِسَ من خير ثقيف.
وقد قال لهم: «إِذْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَلَيَّ»، وكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ قومه.
فأقام بالطائف عشرة أيامٍ وقيل شهرًا لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلا جاء إليه وكلَّمه، فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم منه، فقالوا: يا محمد اخرج من بلدنا. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس.
قال ابن عقبة: وقفوا له صفَّين على طريقه، فلما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصَّفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدمَوا رجليه، وشجَّ في رأسه.
فخلص منهم صلى الله عليه وآله وسلم ورجلاه تسيلان دمًا فعمد إلى حائطٍ من حوائِطِهم فاستظلَّ في ظِلِّ حبلة منه وهو مكروبٌ مُوجعٌ وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلما رآهما كَرِهَ مكانَهما لِما يعلم من عداوتهما لله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم، فلما اطمأنَّ في ظِلِّ الجبلة قال دعائه المشهور بدعاء المضطر.
كيف تخرج من سجنك؟
يشعر أكثر الذين يعانون من القهر والظلم، بالرغبة في الانتقام، والعار والشعور بالذنب، ثم اليأس في كثير من الأحيان.
فعندما نشعر بأننا قد عوملنا بطريقة غير عادلة، فإن أدمغتنا تذهب بنا تلقائيًا إلى وضع القتال أو الهروب؛ مما يؤدي إلى شعورنا بالقلق.
وعندما يتعذر الحصول على الإنصاف، يمكن للغضب أن يأكلنا حرفيًا؛ مما ينتج عنه أعراض جسدية، مثل ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل الجهاز الهضمي، وأعراض نفسية مثل القلق والاكتئاب، ومشاكل اجتماعية مثل: العنف المنزلي والعنف في مكان العمل.
فكيف يمكن السيطرة على مشاعر الغضب والإحساس بالظلم؟
1- ارحم نفسك فالغضب ومشاعر الظلم تُسبب الألم الجسدي أيضًا، فمن الطبيعي أن تجد نسبةً غير قليلة ممن يعانون من الآلام المُزمنة واقعون في أسر تجربة تعرضوا خلالها للظلم، وترتبط مشاعر الغضب والظلم التي لديهم هذه بنتائج طبية أسوأ وألم أكبر.
2- حرر عواطفك من الأسر، لكن أن تجعل هذا الظلم يتسلل إلى داخلك بمشاعر من القهر والغضب والمرارة، فأنت تُزيد الأمر سوءًا.
3- توقف عن التفكير في الظلم الواقع لأنه يؤثر في قدرتنا على تغيير الظلم إذا كان هناك ما يمكن فعله؛ لأن هوس التفكير يستنزف طاقتنا، ويضخّم عواطفنا ويبقينا أكثر تركيزًا على المشاكل من الحلول. إذا كنت تعاني من هذا، فعليك أن تركز على كيفية إيقاف هذه الأفكار، عليك أن تكرر لنفسك: «هذا ليس مثمرًا، هذا ما هو عليه الأمر الواقع، ويمكنني إما قبوله، أو محاولة تغييره».
4- حدد أهدافك وتقبل الأمر فلا يمكننا تغيير المعاملة السيئة التي حدثت في الماضي، ولكن يمكننا معالجة سوء المعاملة الذي يحدث الآن.
5- استعن بالله وابحث عن طرق العلاج التي تُذيب الغضب ومشاعر الظلم.
6. تجاوز الظلم يحتاج إلى وقت وتحلّ بالصبر، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت للسيطرة على المشاعر وتقليل العواطف السلبية.